الأدب في العصر الأموي

الأدب في العصر الأموي


لقد شهد العصر الأموي تغيرات اجتماعية وسياسية ، فبعد أن وصد الإسلام لدولته دعائم البناء والاستقرار ، وبعد أن نقل الأمويون حاضرة ملكهم من الحجاز إلى بيئة جديدة وهي الشام التي تختلف عن البيئة السابقة ، فكان من الطبيعي أن يتأثر الأدب تبعا لذلك . ليس هذا فحسب ، بل ثمة عوامل أخرى أثرت في الأدب والأدباء منها ، دخول الأمم من الأعاجم في الإسلام مما يعني الاطلاع على ثقافاتهم ، وعوامل حضرية وأخرى ثقافية تمتد جذورها إلى عصر صدر الإسلام وما قبله كل ذلك أثر تأثيرا بالغا في الحياة الأدبية ، فظهرت أعراض جديدة في الشعر مثل النقائض والغزل العذري والشعر السياسي مع استمرار الأغراض الأخرى كالمديح والرثاء وغيرها ، ولم يقتصر الأمر على الشعر بل تعداه إلى النثر . ولما اتسعت الرقعة الجغرافية للإسلام احتاج الخلفاء إلى المخاطبات والرسائل مع الولاة والعمال في الأمصار ، فضلا عن كتابة الخراج ، مما ساعد على ازدهار النثر . فعرف أدب الرسائل والخطب . وسنتعرف هنا إلى أغراض الشعر في هذا العصر وأنواع النثر فيه .
  

المديح

عرض قديم من أغراض الشعر العربي ، شغل مساحة واسعة في عصري الإسلام وما قبله ، وكان الشعراء يمدحون المرء لشجاعته وكرمه وقوته وأخلاقه الحميدة ، إذ اعتاد العرب ، أن ينوهوا بأشرافهم في أشعارهم ويتحدثوا عن خصالهم النبيلة كالوفاء والحلم وحماية الجار ، وغيرها من الصفات التي تميز بها العرب ، ومع بداية العصر الأموي ازدهر هذا الغرض وكان الشعراء يمدحون الخلفاء والأمراء والولاة ، وقد بالغ الشعراء في المديح متأثرين بالحياة الاجتماعية والسياسية التي اختلفت عما كانت عليه ، هذا من جهة ومن جهة أخرى كانت العطايا والأموال التي تبذل للشعراء سببا آخر من أسباب هذا الازدهار . ومن شعراء المديح في هذا العصر نصيب بن رياح أبو محجن وكعب الأشقري وزياد الأعجم .

الشعر السياسي

وهو الشعر الذي عبر فيه الشعراء عن موقفهم من الخلافة وأفاضوا في مواقفهم تلك ، وقد عبروا عن آرائهم ، على الرغم من اشتداد المنافسة بين من يدافعون عنهم . . ولعل السمة البارزة في هذا الغرض هي التعبير الصادق عن مشاعر الإيمان لما ينتمون إليه ، وقد جاء مدحهم تعبيرا عن الثناء على الشجاعة والصلابة والقدرة على المواجهة ، أما الهجاء فقد كان الشاعر يدم التردد والتخاذل والتراجع والفرار في الحرب وغيرها من الصفات التي يأنف منها العربي ، كذلك كان الشعراء يتخيرون المعاني الجيدة المعبرة عن المناسبة أو التي تصف طبيعة الأحداث . ومن أشهر الشعراء الذين كانت لهم قصائد تحت هذا المنحى عبيد الله بن قيس الرقيات ، والطرماح ، والكميت ، وعبد الله بن الزبير . ويمكن لنا أن نعد الشعر السياسي في هذا العصر مثلما في العصور الأخرى - وثيقة تاريخية وشاهدا حيا على الأحداث .

شعر النقائض

تعد النقائض نوعا من أنواع شعر الهجاء بين شاعرين أو أكثر ؛ إذ ينظم شاعر قبيلة من القبائل قصيدة من القصائد في الفخر بنفسه أو بقبيلته والتغني بأمجادها ويدم خصومها من القبائل الأخرى ، ثم يرد شاعر من شعراء تلك القبائل على قصيدته بالوزن والقافية نفسها ، مظهرا تفوقه من ناحية المعاني ونقض ما جاء به الشاعر الأول ، وقد كان الشعراء يتبارون في تحديد صفات المهجو ويختارون أكثر الصفات وأشدها وقعا وأكثرها تأثيرا في خصومهم ، وهذه السمات هي التي ميزت هذا النوع من الهجاء . ويعد جرير والفرزدق والأخطل من أكثر الشعراء الذين خاضوا في هذا العرض في العصر الأموي . ولقد ازداد هذا النوع من الشعر بسبب العصبيات القبلية والتغيرات السياسية التي حدثت في هذا العصر بعد أن نهى عنها الدين الإسلامي ودعا إلى تركها .

الغـزل

لعل من الأغراض التي عرفها الشعر العربي هو الغزل ، وقد شغل هذا العرض فضاء غير قليل من أغراض الشعر في العصر الأموي ، إلا أنه اختلف نسبيا عما سبقه في عصري الإسلام وما قبله ؛ إذ اختلف في صورته الموسيقية والأسلوبية ، فضلا عن أن الشاعر لم يعد يقف عند الديار أو البكاء على الأطلال ، وقد اتجة شعراء هذا العصر اتجاهين عبر كل اتجاه عن عاطفته وموقفه من المرأة وهذان الاتجاهان هما : الأول : الغزل العذري وهو الغزل النقي الطاهر الذي يصور العاطفة ورقتها وتعلق العاشق بمحبوبته ويرى فيها مثله الأعلى الذي يحقق متعة الروح ورضا النفس واستقرار العاطفة ، وتكون المحبوبة هي ما ينشده من الحياة ، والغاية التي يسعى إليها والأمل الذي يرتجيه ، وأظهروا أروع صور الوفاء الإنساني والتضحية النبيلة في سبيل المحبوبة والمودة لها ، وقد مثل هذا الاتجاه جميل بثينة وقيس بن الملوح وكثير عزة . أما الاتجاه الآخر فإنه يتمثل بالشعراء الذين اتخذوا من الصورة الحسية في الحديث عن المرأة ، وقد غلب على قصائدهم الإفراط في التعبير عن اللقاء العابر بالمحبوبة والحديث الصريح عنها ، ولم يكتف الشاعر بمحبوبة واحدة ، وقد مثل هذا الاتجاه عمر بن أبي ربيعة والأخوص والعرجي . وكلا الاتجاهين استعمل أسلوب الحوار والحكاية وكأن الشاعر يحكي قصته مع محبوبته ، أو ممن تعلقن به . يقول عمر بن أبي ربيعة : قالـت ثـريا لأشراب لهـا قطف ثمن نحيي أبا الخطاب من كتب فطرت حبـا لما قالت وشايعها مثل التماثيل قد موهن بالذهب فكان الشاعر يحكي لنا قصته مع ما حدث له مع ( ثريا ) وصاحباتها وهن يؤدين التحية لمقدمه عليهن ويصف فرحتهن به . بقي أن نذكر أن المرأة وإن شاع الغزل ظلت تحتفظ بمنزلتها العالية ومكانتها في المجتمع في هذا العصر .


الأدب في العصر الأموي
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-