النثر في العصر الأموي

 النثر في العصر الأموي

 لقد عرف عصر ما قبل الإسلام أشكالا متنوعة من الكتابة سجلت فيه المعاهدات والأخلاف وبعض العقود ، ولا سيما بعض المواطن بالجزيرة العربية وما يجاورها ومنها (الحيرة وعشان ونجران ومكة والمدينة ) وغيرها من الحواضر ولم تقتصر عليها بل تعدتها إلى البادية . ولقد عرف صدر الإسلام الكتابة أيضا ، وظهرت الحاجة الماسة ولا سيما بعد ظهور الرسائل المتبادلة بين الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ورؤساء الدول والخلفاء والولاة والقادة والأمراء ، مما يعني تنوع أغراض الكتابة ، وتطور الأمر بعد ذلك في العصر الأموي ؛ إذ زادت الحاجة إلى الكتابة فظهر كتاب محترفون لكتابة الرسائل في الدواوين ، وقد تبارى الكتاب بالعناية بكتاباتهم ليكسبوا رضا الخلفاء ، كذلك ظهر كتاب الخراج الذين ينظمون الأمور المالية للدولة الأموية ، وقد برز شكلان من أنواع الكتابة ، وهما كتابة الرسائل ( أو ما عرف بكتاب الدواوين ) والخطابة . ازدهرت الخطابة في العصر الأموي ازدهارا كبيرا ، وقد كان الخطباء أصحاب مواهب بلاغية تفننوا فيها ، ولعل من أهم أسباب هذا التطور والازدهار ، هو الحاجة إلى بث روح الإيمان والحماسة عند الجنود في الفتوحات الإسلامية وحثهم على القتال في سبيل الله ، كذلك كان الولاة يوظفون الخطب للتأثير في الناس ، أو للوعظ أو التحذير ، وقد كانت هذه الخطب في كثير من الأحيان سببا في تحقيق الانتصار على الأعداء ، فضلا عن التأثير في الناس . 

ومن أنواع الخطب 

الدينية والسياسية ، وقد تميزت الخطابة في هذا العصر بما يأتي : العناية بالألفاظ والصيغ البلاغية ، وتوظيف المعاني ، واستعمال العبارات الموجزة وجزالة الألفاظ الدالة على المعنى المراد منها متأثرين بذلك بأسلوب القرآن الكريم ، والاستشهاد بآياته المحكمات ، وأحاديث الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وسنتعرف إلى أدب الرسائل متخذين من عبد الحميد الكاتب أنموذجا لذلك عرض هذه الموضوعات ، فاستهلوا قصائدهم بوصف القصور أو الشفن كذلك وصف الرياض وأحوال المعيشة ، وبالغوا في المديح ، أما الرثاء فقد ظهر نوع جديد منه وهو رثاء المدن والبلدان ... وغيرها .

على المعنى المراد منها متأثرين بذلك بأسلوب القرآن الكريم ، والاستشهاد بآياته المحكمات ، وأحاديث الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وسنتعرف إلى أدب الرسائل متخذين من عبد الحميدا الكاتب أنموذجا لذلك .


عبد الحميد الكاتب

هو عبد الحميد بن يحيى بن . العامري ، من أعلام الكتاب في القرن الثاني للهجرة ، نشأ في الشام ، وأقبل على تعلم العربية وعلوم الدين ، فعدا من أشهر كتاب الرسائل في العصر الأموي ، وبعد أول من وضع الأصول الفنية في الأدب العربي لكتابة الرسائل ، فقد ارتقت على يديه صناعة الكتابة ، فعد من أساتذة البلاغة العربية ورائدا لكتاب الرسائل عامة ، وطور الرسائل بكثرة التحميدات في صدر الرسالة والتوسع في المعاني والعناية بترتيبها ووضوحها ، عمل في دواوين الخلفاء ، وله رسائل عدة ما بين مطولة ومختصرة ، منها رسالة في ذم الشطرنج ورسالة الصيد ورسالته إلى الكتاب . في امتاز أسلوبه بكثرة التخميدات والإطناب والإطالة مرة والإيجار وقصر العبارة مرة أخرى ، فضلا عن الإكثار من الوصف وتوسع أغراض الرسائل .


 رسالة عبد الحميد إلى الكتاب 

« وليس أحد من أهل الصناعات أحوج إلى اجتماع خلال الخير المحمودة وخصال الفضل المذكورة المعدودة منكم أيها الكتاب ؛ إذ كنتم على ما يأتي في . هذا الكتاب من صفتكم ، فإن الكاتب يحتاج من نفسه ، ويحتاج منه صاحبه الذي يثق به مهمات أموره ، أن يكون حليما في موضع الإحجام مؤثرا للعفاف ، والعدل والإنصاف ، كتوما للأسرار ، وفيًا عند الشدائد عالما بما يأتي من النوازل ، يضع الأمور مواضعها ، والطوارق أماكنها ، قد نظر في كل فن من فنون العلم فأحكمه ، فإن لم يحكمه ، أخذ منه بمقدار ما يكتفي به ، يعرف بغزيرة عقله ، وحسن أدبه ، وفضل تجربته ، ما يرد عليه قبل وروده وعاقبة ما يصدر عنه قبل صدوره ، فيعد لكل أمر عدته وعتاده ويهيئ لكل وجه هيئته وعادته . فتنافسوا يامعشر الكتاب ، في صنوف الأدب ، و تفقهوا في الدين ، و ابدأوا بعلم كتاب الله عز وجل والفرائض ، ربية ، فإنها ثقاف  السنتكم ثم أحيدوا الخط ، فإنه حلية كتبكم ، وازووا الأشعار ، واعرفوا غريبها ومعانيها وأيام العرب والعجم ، وأحاديثها وسيرها ، فإن ذلك معين لكم على ما تسمو إليه هممكم ، ولا تضيعوا النظر في الحساب ، فإنه قوام كتاب الخراج ، وارغبوا بأنفسكم عن المطامع » .


النثر في العصر الأموي

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-