حقول الجغرافيـة

حقول الجغرافيـة 

عرفت الدراسات الجغرافية بتأكيدها على الظواهر الجغرافية الطبيعية على سطح الأرض ، لكنها اخذت تنحو منحى آخر في القرن العشرين ، لاسيما في النصف الثاني منه ، فقد اتجهت تلك الدراسات نحو التخصص مما أدى إلى ظهور حقول عديدة صنفت على أساس طبيعة تخصصها إلى حقول الجغرافية الطبيعية التي تعنى بدراسة كل الظواهر التي تنتشر على سطح الأرض والتي ليس للإنسان دور في ظهورها أو تشكيلها أو توزيعها .

وإنما يعود ذلك إلى مجموعة عوامل طبيعية تضافرت على وجود هذه الظواهر بالشكل الذي هي عليه على سطح الأرض . إلى جانب حقول الجغرافية البشرية التي اهتمت بدراسة الإنسان وتوجهاته على سطح الأرض ، وبدراسة نشأته وانتشاره ، ونمط استقراره ونشاطه الاقتصادي ، وتفاعله مع البيئة الطبيعية . إن الأبحاث الجغرافية ، وان اهتمت بكل من ظواهر الجغرافية الطبيعية والبشرية ، لكنها في الوقت نفسه تتناولها مجتمعة بقدر علاقاتها ببعضها في مجال تفسير التباين المكاني للظواهر سواء كانت طبيعية أو بشرية . ان الدراسات الجغرافية تتضمن جوانب فكرية ، وأخرى إقليمية ، فضلاً على الجوانب النسقية ( النظامية ) سواء تناولت بذلك الظواهر الطبيعية أو البشرية . وهذه  لا تقتصر على حقل معين من حقول الجغرافية وإنما تظهر فيها جميعا ، منطلقة من مفهوم " حقل الجغرافية الموحد " . 

وقد انعكست هذه الحقائق على تنوع حقـول الجغرافية ضمن الحقل العام للجغرافية وهو حقل الجغرافية الموحد " وفيما يأتي سنتعرض هذه الحقول ، ونظراً لأن بعض موضوعات هذه الحقول يتناول الظواهر الطبيعية وبعضها الآخر الظواهر البشرية فستضعها في مجموعتين الأولى حقول الجغرافية الطبيعية وأخرى حقول الجغرافية البشرية .

 أولا " حقول الجغرافية الطبيعية لقد سبقت الدراسات الجغرافية الطبيعية غيرها من حقول الجغرافية من حيث اهتمام الجغرافيين بها ، ودرجة الصراف الذهن الى الجغرافية الطبيعية اذا ما ورد ذكر للجغرافية . وظلت أبحاثها تفوق في عددها تلك التي تتناول الظواهر البشرية ، وظهر هذا حتى في المؤتمرات الجغرافية العالمية ، ولكن بعد بداية منتصف القرن العشرين لم يبق لها مثل هذا التفوق ، إلا أنها تقدمت من حيث استعمالها تقنيات وأدوات قياس حققت لها الحصول على بيانات دقيقة للظواهر التي تدرسها ، مما مكنها من استعمال طرق يحث في دراستها للمشاكل الجغرافية أوصلتها إلى نتائج تخلو من الأحكام الذاتية وتتميز بالموضوعية والدقة .

ان الجغرافية الطبيعية لاهتمامها بظواهر طبيعية متنوعة تنوعت حقولها مع تطور الجغرافية المعاصرة ، وكل حقل منها يكون موضوعا مستقلا له أسسه ومقوماته . وقد أضيفت إليها موضوعات جديدة ، كما حدث تطور في موضوعاتها التقليدية وأصبحت تعالج على وفق أفكار ووسائل بحث جديدة ، كما حصلت على صلات جديدة من خلال دراستها لعمليات البيئة الطبيعية وعلاقتها بنشاطات الإنسان .


حقول الجغرافية الطبيعية 

الجيومورفولوجي ( علم أشكال سطح الأرض ) : تميز حقل الجغرافية في تطوره المعاصر بمنحاه الذي يفضي إلى اجراء قياسات ميدانية كمية لأشكال سطح الأرض وللرواسب التي تغطيه ، لذلك أصبح قياس ميلان سفح الانحدار مثلا يعتمد على استعمال أجهزة خاصة بذلك ، ولم تعد تستعمل الأوصاف النوعية التي ضلت شائعة سنين عديدة ، كما أصبحت الانحرافات الزلزالية تستعمل معدات المقاومة الكهربائية لتسجيل سمك الرواسب السطحية ، ومثل ذلك يقال عن وسائل قياس قوة ونفاذية التربة ، وبذلك أصبح وصف أشكال سطح الأرض أكثر دقة ، بعد أن أصبح بالإمكان وصفها بمصطلحات دقيقة ، وأصبحت تدرس في المختبر لبيان طبيعة العمليات التي يتم بها تطور شكل السطح ومعدلها . ۱۱۸ وبدأ ينظر إلى الجيومورفولوجي على انه معالجة كمية -ديمية للسفوح وأشكال السطح . وعنى بالدينمية لأنها تعنى بالعملية ( الحركة ) . وانها كمية لأنها تبحث في الترابط بصورة كمية بين أثر العوامل المسببة وخصائص الشكل والتضاريس ، وأصبح ينظر إلى البنية على انها المادة في حركة ، والعملية على انها : إجهاد تداخلي ، وإجهاد جزيئي . والإجهاد التداخلي يؤثر في جميع مواد الأرض . وفي حالة وجود انحدار فإن مكونات الإجهاد التداخلي تؤدي إلى حركة المواد باتجاه الانحدار ، كالماء والجليد . فالمواد التي ترتفع يفعل حركات القشرة الأرضية تنحدر على هذا الأساس بصورة تدريجية إلى مناطق اقل ارتفاعا مما كانت عليه ، وما يصاحب ذلك من تحول الطاقة الكامنة إلى طاقة حرارية ديلمية أو حركة . والإجهاد الجزيئي يحدث بفعل تغير درجات الحرارة أو تغيرات كيميائية ، والحركة المتميزة في هذه الحالة تتمثل في المدد الكتلة ، ويدخل ضمن هذا النوع من الإجهاد التفاعلات الكيميائية كالتأكسد . وبدأ ينظر إلى مواد الأرض التي تتعرض إلى هذه الجهود ، على انها تتكون من مواد مرنة أو صلبة ، وعليه فان الذي يحدد العمليات الجيمورفولوجية وأشكال التضاريس الأرضية هو نوعية الجهد و طبيعة المواد التي تتأثر به . أما العمليات الجيمورفولوجية وما ينتج عنها من تضاريس فتربط بنظام دينمي ، وهذه تعني فكرة النظام الترمو دينمي المفتوح في حالة توازن ، وفي هذا النظام لا يتغير الشكل ولكن استهلاك الطاقة يبقى مستمراً ، وبعبارة أخرى أن المقصود هنا نظام تصريف متدرج يتوازن فيه جريان الماء والنحت ، فهي حركة ميكانيكية تنظم نفسها بنفسها . وأخذت الدراسات الجيمورفولوجية تتجه نحو التفصيل ، إذ تداول بعضها الجوانب النظرية ، وبعضها الآخر الجوانب التطبيقية الجيمورفولجية فيما يعرف اليوم بالجيومورفولوجيا التطبيقية ، في حين اهتمت دراسات أخرى منها بظواهر السطح ، وعنيت بعض الدراسات بطرق البحث الكمية في الدراسات الجيومورفولوجية .


جغرافية المناخ والطقس 

تتخذ جغرافية المناخ من أحوال المناخ على سطح الأرض موضوعاً لها ، سواء منه الحرارة أو الرطوبة أو الرياح أو الضغط الجوي ، متناولة تباينها المكاني والزماني ، وعملياتها والمراحل التي تمر بها ، وعلاقاتها المكانية بظواهر سطح الأرض الأخرى ، ودراستها لهذه الأحوال لمدة سنة أو أكثر ، وهي بذلك خلاف الطقس الذي يدرسها لمدة تقل عن ذلك . ان حقل جغرافية المناخ شأنه شأن حقول الجغرافية الأخرى تعرض للتغيير ، ولم يقتصر ذلك على كثير من المفاهيم التي كانت شائعة ، إلا انها ما عادت كذلك بعد ان ثبت انها مفاهيم غير علمية ، وإنما أضيف بعد جديد لدراستها ، إذ لم تعد تقتصر على الأحوال المناخية السطحية وانما شملت الطبقات الجوية الوسطى التي أصبحت دراستها ممكنة باستعمال الأقمار الصناعية وصواريخ الطقس والحاسبات الالكترونية ، إذ ظهر أن لهذه الطبقات أثرها على عمليات الطبقات السطحية . ۱۲۰ شکل ( 34 ) ظاهرة جوية كما حللت ورسمت خرائط لأنماط الدورة الهوائية في العروض الوسطى والعليا بصورة نظامية ، ويعد هذا إحدى النتائج العظيمة التي برزت في ضوء الأبحاث المناخية الحديثة . وتبرز أهمية هذه إذا ما علمنا ان دراسة علم المناخ لا تكتمل من دون أخذ هذه بالحسبان . ان التقدم في علم المناخ يظهر في تحسن فهم الظواهر المناحية المنفردة ، وفي تكامل هذه الظواهر في نظام نقل الحرارة ، فالمنخفضات الجوية التي تشتهر بها العروض الوسطى لم تعد حدثاً عرضيا لدورة الجو العامة ، بل انها ذات أهمية كبيرة وديناميكية أساسية لنقل الطاقة والتبادل الحراري . لقد تعدد توجه الدراسات المناخية شأنها في ذلك شان الدراسات الجيمورفولوجية إذ ظهر تخصص كل منها في مجال محدد ، فبعضها اتجه إلى دراسة طرائق البحث في هذا الحقل الجغرافي ، وفي هذا تهدف إلى دراسة المشكلة في موضوع المناخ ، لأنها تزود الراغبين بمنهجية الدراسة العلمية لأغراض مهنية ، ودراسات أخرى تنحى منحى كمياً مثل ، النماذج المناخية .


الجغرافية الحياتية 

حقل من حقول الجغرافية الطبيعية الذي يهتم بدراسة التباين المكاني للأحياء النباتية منها والحيوانية على سطح الأرض وذلك فيما يعرف بالغلاف الحيوي ، ويشمل الحيز الذي تلتقي عنده الأغلفة الثلاثة الصخري والمائي والغازي حيث يمثل بيئة للأحياء ، كما يدرس علاقاتها المكانية بالظواهر التي تؤدي دورا في اختلاف أنماطها المكانية . ان الجغرافية الحياتية تهتم بدراسة الكائنات الحية التي تنمو وتتكاثر بصورة طبيعية من دون ان يتدخل الإنسان بوجودها وتوزيعها في بيئاتها الطبيعية . وتزداد أهمية الجغرافية الحياتية اليوم مع زيادة اهتمام الإنسان في الحفاظ على خصائص البيئة وصيانتها من عوامل التدمير والتدهور ، وكذلك زيادة الاهتمام بمكونات الغلاف الحيوي فالكثير من الحيوانات والنباتات تضاءلت أعدادها وتقلصت مساحات انتشارها .


جغرافية التربة 

والى جانب هذه الحقول تتضمن الجغرافية الطبيعية حقولاً أخرى منها حقل جغرافية التربة . إذ اهتمت بنسجتها وبنيتها ودرجة قابليتها للزراعة والتي يؤدي ما يوجد فيها من أملاح دورا في تحديد قابلية النبات للنمو فيها ، كما تمت دراسة مجموعات أنماط التربة في العالم على أساس من خصائصها وتم تمثيلها على الخرائط ، كما اهتمت بالمحافظة على التربة ۱۲۱ وصيانتها من سوء استعمال الإنسان لها ، إذ عرضها سوء استعماله لها للدمار . وفضلاً على ذلك تناولت جغرافية التربة خصائص التربة الفيزياوية والكيماوية والعمليات الميكانيكية والكيميائية التي كونتها والعوامل التي أدت الى اختلاف خصائصها ، وتعرف أنواع التربة من خلال نوع النبات الطبيعي الذي ينمو فيها ، كما تهتم بتأثيرات الانسان والزراعة فيها مثلاً تعرية التربة ومدى صلاحيتها للزراعة أو نسبة ملوحتها وتراكيبها الكيماوية ، فضلاً على اهتمام ذلك الحقل بإيجاد الطرق والسبل الملائمة لمعالجة المشاكل التي قد تعاني منها التربة المعالجة ملوحتها ومستوى حموضة أو قلوية التربة ونسجتها وقلة خصوبتها .


جغرافية الموارد الطبيعية 

هو ذلك الحقل الجغرافي الذي يهتم بتوزيع الموارد الضرورية لحياة الإنسان الموجودة في الطبيعة من دون أن يكون للإنسان دور في وجودها ، وتتنوع هذه الموارد فبعضها يتمثل بالمياه والبعض الآخر بالهواء وبعضها الآخر بموارد الغلاف الصخري كالتربة والمعادن ، ولا تقتصر دراسة هذه الظواهر على انتشارها على سطح الأرض وإنما أيضا على خصائصها الكيمياوية والفيزياوية فضلاً على درجة توافرها . فبعضها يتصف بالندرة كبعض أنواع المعادن أو حتى المياه في المناطق الشديدة الجفاف ، في حين يتصف بعضها الآخر بالوفرة كالهواء . كما تهتم جغرافية الموارد بدراسة صيانتها وحسن استخدامها فضلاً على المشاكل التي ترافق استثمارها ، ولتنوع هذه الموارد تنوعت صلة هذا الحفل الجغرافي بحقول الجغرافية الأخرى كعلم المناخ وعلم أشكال سطح الأرض والجغرافية الاقتصادية . 


جغرافية البحار والمحيطات 

هو ذلك الحقل الجغرافي الذي يتناول بالدراسة البحار والمحيطات ، من حيث مكوناتها الطبيعية وعلاقاتها المكانية بنشاط الإنسان ، وقد تزايد الاهتمام بدراسة جغرافية البحار والمحيطات من جوانبها المختلفة الطبيعية والبشرية ، ولا شك في انها تكون معظم سطح الأرض حتى غدت مجالاً تتجه إليه الأنظار لحل العديد من المشاكل الإنسانية الغذائية والمائية . ومما يزيد من أهمية دراسة جغرافية البحار والمحيطات علاقاتها بحقول الجغرافية الأخرى كعلم إشكال سطح الأرض ( الجيومورفولوجيا ) الذي يتناول بالدراسة جيومورفولوجية السواحل والشواطئ وتضاريس القاع وتكويناته وتغيرات منسوب سطح البحر ، وجغرافية المناخ من حيث علاقاتها بالتيارات البحرية والمد والجزر والأمواج ، والجغرافية الحياتية التي تتناول بالدراسة الحياة النباتية والحيوانية البحرية . ويظهر للجغرافية الاقتصادية الاهتمام بما تحتويه البحار والمحيطات من الثروات المعدنية المتنوعة والثروة السمكية ، فضلاً على ا اتجاه كثير من الدول لتحلية مياه البحر واستعماله ، وتظهر ضروب النقل البحري في البحار والمحيطات وهي من أهم ضروب النقل على سطح الكرة الأرضية .


حقول الجغرافيـة

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-