مقدمة في العصر الأندلسي

مقدمة في العصر الأندلسي


كانت الأندلس آخر الجناح الغربي من الوطن العربي ، وهي شبه جزيرة تقع في الجنوب الغربي من أوربا ، وتحيط بها المياه من كل جوانبها ، إلا جانبا واحدا ، ويفصل بينها وبين المغرب العربي من جهة البحر مضيق جبل طارق ، وتضم سلاسل جبلية ووديانا وأنهارا كثيرة وتشغل مساحة كبيرة منها ، هذا فضلا عن طبيعتها الخلابة . وفي سنة ( ٩٢ هـ ) عبر الجيش العربي المضيق المؤدي إلى الشاطئ الأسباني بقيادة طارق بن زياد ، بعد أن أمر القائد العربي موسى بن نصير في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك ، ونزلوا الجبل المسمى ( جبل طارق ) ، ثم ألقى خطبته المشهورة التي منها : ( أيها الناس أين المفر ؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم والله إلا الصدق والصبر ، فإنهما لايغلبان ، وهما خيران منصوران ) . ولما استقر العرب هناك ، واختلطوا بسكان البلاد الأصليين بالمصاهرة والمصادقة ، شهدت الأندلس نهضة حقيقية في المجالات كافة ، وقد امتد حكم العرب للأندلس ثمانية قرون أثروا وتأثروا بحياة الأندلسيين ، ولاسيما الأدب منها ويمكن أن نقسم هذه المدة على عصور عدة وهي عصر الفتح والولاة والعصر الأموي ( عصر الأمارة وعصر الخلافة ) ، ثم توالت العصور فكان عصر ملوك الطوائف فعصر المرابطين ، ثم عصر الموحدين لينتهي بعصر دولة بني الأحمر في مملكة غرناطة . إن أهم ما يميز هذه العصور هو ازدهار الأدب الأندلسي شعرا ونثرا ، ويمكن أن نرد أسباب ذلك إلى : البيئة الاجتماعية : إذ أثرت البيئة الاجتماعية في الأدب الأندلسي ، فقد ساعد امتزاج العرب مع الحضارة الغربية واندماجهم معها على هذا الازدهار ، فضلا عن الحرية الفكرية والانفتاح على العلوم والثقافات الأخرى عن طريق الترجمة .

الطبيعة الأندلسية

 التي تتمثل بسخر أراضيها وأنهارها الكثيرة الجارية والمناظر الخلابة . التنافس الأدبي بين شعراء الأندلس والشرق ، إذ عمد الشعراء جاهدين لمنافسة شعراء المشرق وتباروا في قصائدهم إما بتقليدهم أو معارضتهم أو بابتداع الفنون الشعرية الجديدة كالموشحات والزجل . وعي الخلفاء والأمراء والولاة بقيمة الأدب وأهميته ، فضلا عن تشجيعهم للشعر والشعراء والعلماء ، وقد كان كثير منهم شعراء أيضا كابن زيدون ولسان الدين بن الخطيب . الاستقرار والرفاه الذي عاش فيه العرب في الأندلس مما دعا كثيرا من المؤرخين إلى إطلاق اسم العصر الذهبي على هذا العصر .


 الشعر

 يعد الشعر من أكثر الفنون الأدبية ظهورا في بيئة الأندلس ؛ لأنه مظهر من مظاهر الثقافة العربية ، وهو جزء أصيل منها ، إذ أقبل الأندلسيون العرب على نظمه ، وقد شمل هذا عصور الأدب الأندلسي جميعها ، لكن عصر ملوك الطوائف كان أزهى عصور الشعر فيها ، إذ ظهر فيه كثير من الشعراء الكبار مثل ابن زيدون وابن خفاجة والمعتمد بن عباد الأشبيلي . وقد ظهر اتجاهان في الشعر وهما : الاتجاه الأول : وهو الاتجاه المحافظ ، الذي يتمثل بالاهتمام بالموضوعات التقليدية للشعر العربي كالمديح والفخر والحماسة وغيرها .


الاتجاه الآخر 

 وهو الاتجاه المحدث ، الذي يتمثل بالاهتمام بالأغراض الشعرية التي لم تكن شائعة أو معروفة من قبل ، كالخمريات ووصف الطبيعة والموشحات والزجل . لقد بقيت الأغراض التقليدية كالمديح والهجاء وتطورت أو أستحدثت أخرى ، فالغزل مثلا كان إما أن يستهلوا به قصائدهم أو أن يفردوا القصائد له ، أما الرثاء فقد تطور فشمل رثاء المدن والممالك الزائلة ، كذلك ظهر شعر الاستغاثة لطلب المساعدة أو شحذ الهمم في الملمات ، كذلك ظهر شعر الغربة والحنين ، والذي يحمل صدق العاطفة والشعور . وتوسعوا في الوصف ولاسيما وصف الطبيعة واستحدثوا الموشحات والرجل ، إلا أنهم كانوا مقلين في نظم الزهد والحكمة كذلك ظهر الشعر التعليمي ولم يقتصر الأمر على تجديد الأغراض الشعرية أو تطورها ، بل شمل التجديد على مستوى الموضوعات فقد حلت موضوعات جديدة مثل تجربة فقدان البصر ، أو وصف الأشياء كالفوانيس . أما أهم مميزاته على المستوى اللفظي فهو أنه سهل الألفاظ ، سلس التركيب ، يتسم بالجزالة والجودة ، وواضح المعاني بعيد من تعمق الفلاسفة والحكماء ، غني بالمحسنات اللفظية كالشجع والجناس ، والثورية ، كما ولع الشعراء بالتشبيهات البديعة والتصوير الواضح والإيقاع الموسيقي للمفردة مع رقة الألفاظ والعناية بها ، وقد ظهر نظام المقطوعات لانظام القصيدة ، ولاسيما في شعر وصف الطبيعة .


أشهر شعراء العصر الأندلسي 

فهم ابن زيدون وابن خفاجة وابن شهيد وابن حزم ولسان الدين الخطيب والمعتمد بن عباد الأشبيلي وابن عبد ربه الأندلسي وغيرهم كثير . أما الشواعر في الأندلس فمما يلفت النظر كثرتهن في الأندلس قياسًا إلى ما في المشرق العربي ، ويعود السبب في ذلك إلى ما كانت تتمتع به المرأة من العلم والمعرفة ، ومساحة الحرية لها ، ولذا تذكر في هذا العصر الشاعرة والكاتبة والعاملة والفقيهة والواعظة والنحوية واللغوية . ومن أشهر شواعر العصر الأندلسي ، حسانة التميمية وقمر البغدادية وعائشة بنت أحمد القرطبية وولادة بنت المستكفي وحمدة بنت زياد المؤدب .


مقدمة في العصر الأندلسي

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-